الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
<تنبيه> أخذ جمع من هذا الحديث وما في معناه أنه ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والجمهور على أنه له بل عليه ذلك لأنه مأمور بأمرين ترك المعصية والمنع للغير من فعلها والإخلال بأحد التكليفين لا يقتضي الإخلال بالآخر ولذلك أدلة من الكتاب والسنة - (فر عن أبي هريرة) رمز المؤلف لضعفه وسببه أن فيه عمر بن بكر السكسكي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ابن عدي له مناكير واتهمه ابن حبان بالوضع. 53 - (أبغض) أفعل تفضيل بمعنى المفعول من البغض وهو شاذ ومثله أعدم من العدم إذا افتقر (الحلال) أي الشيء الجائز الفعل (إلى الله الطلاق) من حيث إنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة المؤدي لقلة التناسل الذي به تكثر الأمة لا من حيث حقيقته في نفسه فإنه ليس بحرام ولا مكروه أصالة وإنما يحرم أو يكره لعارض، وقد صح أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آلى وطلق وهو لا يفعل مكروهاً، ذكره في المطامح وغيرها. وهذا كما ترى أولى من تنزيل الذهبي تبعاً للبيهقي البغض على إيقاعه في كل وقت من غير رعاية لوقته المسنون واستظهر عليه بخبر: "ما بال أقوام يلعبون بحدود الله طلقتك راجعتك طلقتك راجعتك" وخبر "لم يقول أحدكم لامرأته قد طلقتك قد راجعتك؟ ليس هذا بطلاق المسلمين، طلقوا المرأة في طهرها". وقال الطيبي: فيه أن بغض بعض الحلال مشروع وهو عند الله مبغوض كصلاة الفرد في البيت بلا عذر والصلاة في مغصوب. وقال العراقي: فيه أن بغض الله للشيء لا يدل على تحريمه لكونه وصفه بالحل على إثبات بغضه له، فدل على جواز اجتماع الأمرين بغضه تعالى للشيء وكونه حلالاً وأنه لا تنافي بينهما وأحب الأشياء إلى الشيطان التفريق بين الزوجين كما يأتي في خبر، والمراد بالبغض هنا غايته لا مبدؤه فإنه من صفات المخلوقين والبارئ منزه عنها والقانون في أمثاله أن جميع الأعراض النفسانية كغضب ورحمة وفرح وسرور وحياء وتكبر واستهزاء لها أوائل ونهايات وهي في حقه تعالى محمولة على الغايات لا على المبادئ التي هي من خواص الأجسام فليكن على ذكر منك أي استحضار له بقلبك فإنه ينفع فيما سيلقاك كثيراً - (د ه ك) في كتاب الطلاق وكذا الطبراني وابن عدي (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب ورواه البيهقي مرسلاً بدون ابن عمر وقال الفضل غير محفوظ. قال ابن حجر: ورجح أبو حاتم والدارقطني المرسل وأورده ابن الجوزي في العلل بسند أبي داود وابن ماجه وضعفه بعبد الله الرصافي. وقال: قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك الحديث وبه عرف أن رمز المؤلف لصحته غير صواب. 54 - (أبغض الخلق) أي الخلائق يقال هم خليقة الله وهم خلق الله. قال الزمخشري ومن المجاز خلق الله الخلق أوجده على تقدير أوجبته الحكمة وهو رب الخليقة والخلائق (إلى الله من) أي مكلف ولفظ رواية تمام لمن باللام (آمن) أي صدق وأذعن وانقاد لأحكامه (ثم كفر) أي ارتد خصه، من بين أصناف الكفار بهذه المبالغة والتشديد وأبرز ذمه في هذا النظم العجيب حيث أبهمه غاية الإبهام نعياً عليه وتعجباً من شأنه حيث فعل ما فعل يعني انظروا إلى هذا الخبيث اللعين وقبيح ما ارتكبه حيث فعل ما لم يرض العاقل أن ينسب [ص 80] إليه وهو أنه اشترى الضلالة بالهدى فهو جدير بكونه أبغض الكفرة إلى ربه وأمقتهم عنده لاستعداده للاهتداء وقبوله له ثم نكوصه على عقبيه. والقصد بذلك التوبيخ والتعيير فعسى أن يرتدع بالتشنيع عليه وتفظيع شأنه وتهجين سيرته وتقبيح سريرته ويظهر أن من قتل نبياً مثله أو أبغض وكذا من شهد المصطفى فيه بأنه أشقى الناس وعليه فالمراد أنه من أبغض - (تمام) في فوائده من حديث أحمد البرقي عن عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن نصر ابن علقمة عن ابن عائذ عن عمرو بن الأسود (عن معاذ) بضم الميم وفتح المهملة وبمعجمة (ابن جبل) ضد السهل ابن عمرو بن أوس الأنصاري من نجباء الصحابة. قال أنس: جمع معاذ القرآن في حياة الرسول وكان أمّة قانتاً. وقضية تصرف المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الطبراني باللفظ المزبور من هذا الوجه. قال الهيتمي: وفيه صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وضعفه أحمد وبقية رجاله ثقات وبه يتجه رمز المؤلف لحسنه. 55 - (أبغض الرجال) المخاصمين وكذا الخنائي والنساء وإنما خص الرجال لأن اللدد فيهم أغلب ولأنّ غيرهم لهم تبع في جميع المواطن. ألا ترى إلى قول الزمخشري: اكتفى الله بذكر توبة آدم دون حواء لأنها كانت تبعاً له كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك (إلى الله الألد) بفتح الهمزة واللام وشد الدال أي الشديد الخصومة بالباطل الآخذ في كل لدد أي في كل شيء من المراء والجدال لفرط لجاجه كذا قرره الزمخشري. قال الزركشي: ومنه {لتنذر به قوماً لدا} (الخصم) بفتح المعجمة وكسر المهملة أي المولع بها الماهر فيها الحريص عليها المتمادي في الخصام بالباطل لا ينقطع جداله وهو يظهر أنه على الحسن الجميل ويوجه لكل شيء من خصامه وجهاً ليصرفه عن إرادته من القباحة إلى الملاحة ويزين بشقشقته الباطل بصورة الحق وعكسه بحيث صار ذلك عادته وديدنه فالأول ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة، وسمي ألد لاستعماله لدديه أي جانبي فمه وعتقه، وذهب بعضهم إلى أن أل في: "الرجال" للجنس وفي: "الألد" للعهد والمراد به الخصم الذي خصامه ومجادلته مع الله. والذمّ وصف للمخاصم والصفة وهو كونه منشأ من موات وهو المني: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} وقصة أبيّ بن خلف في قوله لأصيرن إلى محمد ولأخصمنه مشهورة وذلك لأن الخصومة في ذلك كفر والكافر أبغض الخلق إلى الله قال ولو جعلت أل فيه جنسية لاستلزم كون الألد المؤمن أبغض إلى الله من حيث جنس الرجال وفيهم الكافر ورجح ابن حجر ما تقرر أولاً من تنزيل الرجال على المخاصمين أو أن المراد الألد في الباطل المستحل له أو أن ذلك ورد على منهج الزجر لمن هذه صفته وتنبيهاً على قبح حاله وتفضيحه بتهجين عادته وتفظيع طريقته، فعسى أن ينجع فيه هذا التشنيع فيلين قلبه وتنقاد نفسه وتضمحل رذائله فيرجع عما هو عليه من الشرور فيحصل له السرور بدخوله في قوله تعالى: - (ق حم ت عن عائشة) رضي الله عنها ورواه أيضاً عنها أحمد. 56 - (أبغض العباد) بكسر العين والتخفيف جمع عبد ويحتمل ضمها والتشديد جمع عابد ويشبه أنه أولى لما في إجراء أفعل التفضيل على حقيقته من العموم والصعوبة المحوجة إلى التأويل (إلى الله من) أي إنسان (كان ثوباه) أي إزاره ورداؤه وأصل الثوب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها أو إلى حالته المقدرة المقصودة بالفكرة فمن الثاني الثوب سمي به لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدر لها. ذكره الراغب (خيراً من عمله) يعني من تزيا بزي الأبرار وعمله كعمل الفجار كما فسره بقوله (أن تكون ثيابه ثياب الأنبياء) أي كثيابهم الدالة على التنسك [ص 81] والتزهد (وعمله عمل الجبارين) أي كعملهم في البطش بالخلائق ونسيان نقمة الخالق وعدم التخلق بالرحمة والتهافت على جمع الحطام. والجبار المتكبر المتمرد العاني. وقال القاضي: فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره وهو من يجبر الناس على ما يريده. وقال الزمخشري: الجبار الذي يفعل ما يريد من ضرب وقتل فيظلم لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن وقيل المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله تعالى انتهى. وذلك لأن أحب الخلق إلى الله تعالى الأنبياء والصديقون فأبغض الخلق إليه من يتشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مرائي كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب. وفيه أن من ظهر من جهال الطريق وبرز بالعدول عن التحقيق وتقشف تقشف أهل التجريد وتمزّق حتى أوقع عقول العامة في الحرج الشديد فهو من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم قي الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً - (عق) وقال في الأصل إنه منكر وأقره عليه (فر) كلاهما من حديث يحيى ابن عثمان عن أبي صالح كاتب الليث عن سليم بن عيسى عن النوري عن جعفر بن برقان عن ميمون (عن عائشة) ويحيى جرحه ابن حبان وكاتب الليث فيه مقال وسليم متروك مجهول وابن برقان لا يحتج به. ولهذا قال ابن الجوزي: موضوع وأقره عليه في الأصل. وقال العقيلي: منكر وفي الميزان باطل. وبه علم أن عزو المؤلف الحديث للعقيلي وسكونه عما عقبه به من الرد غير صواب وممن جزم بوضعه ابن عراق والهندي. 57 - (أبغض الناس إلى الله) أي أبغض عصاة المؤمنين إليه كما أفاده القاضي: المراد بالناس المقول عليهم جميع عصاة الأمة وأن الكافر أبغض من هؤلاء المعدودين، وقول الطيبي: أراد بالناس المسلمين بدليل قوله "ومبتغ في الإسلام" (ثلاثة) أحدهم إنسان (ملحد) بالضم أي مائل عن الاستقامة (في) حق (الحرم) المكي بأن هتك حرمته بفعل محرم فيه من الإلحاد وهو الميل عن الصواب أو من اللحد وهو الحفرة المائلة عن الوسط ومصداقه - (خ) في الديات وكذا في البيهقي والطبراني (عن ابن عباس) ولم يخرجه مسلم. 58 - (ابغوني) بالوصل من الثلاثي فهو مكسور الهمز أي اطلبوا لي طلباً حثيثاً يقال ابغني مطالبي اطلبها لي وفي رواية بالقطع من الرباعي فهو مفتوح الهمزة أي أعينوني على الطلب يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه قال رؤية: *فاذكر بخير وابغني ما ينبغي* أي اصنع بي ما ينبغي أن يصنع. ذكره الزمخشري. قال ابن حجر: والأوّل أليق بالقياس وأوفق في المذاق وقال الزركشي الأوّل هو المراد بالحديث قال تعالى {يبغونكم الفتنة} أي يطلبونها لكم (الضعفاء) من يستضعفهم الناس لفقرهم ورثاثتهم. قال القاضي: أي اطلبوا لي وتقربوا إليّ بالتقرب إليهم وتفقد حالهم وحفظ حقوقهم والإحسان إليهم قولاً وفعلاً واستنصاراً بهم. قال الراغب: والضعف يكون في البدن وفي النفس وفي الحال وهو المراد هنا (فإنما ترزقون) تمكنون من الانتفاع بما أخرجنا لكم (وتنصرون) تعانون على عدوكم ويدفع عنكم البلاء والأذى. قال القاضي: والنصرة أخص من المعونة لاختصاصها بدفع الضر. قال الحراني والنصر لا يكون إلا لمحق وإنما لغير المحق الظفر والانتقام (بضعفائكم) بسبب كونهم بين أظهركم أو بسبب رعايتكم ذمامهم أو ببركة دعائهم والضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص واستعان بالله فكانت له الغلبة وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته فتعجبه نفسه غالباً وذلك سبب للخذلان كما أخبر الله تعالى عن بعض من شهد وقعة حنين وفي رواية (في ضعفائكم) وفي أخرى (في الضعفاء) بزيادة في. قال الزين العراقي: والذي وقع في أصول سماعنا من كتاب الترمذي: (أبغوني في ضعفائكم) وهو عند أبي داود والنسائي بإسقاط حرف الجر: ابغوني الضعفاء، وفي مسند أحمد (ابغوني ضعفاءكم) وكذا رواه الطبراني قال وهو أصح من الرواية المتقدمة والمعنى اطلبوا لي ضعفاءكم انتهى. وفي طيه إعلام بإسقاط كلمة النصر بالأسباب والعدة والعدد والآلات المتعبة الشاقة والاستغناء بتعلق القلوب بالله تعالى فنصرة هذه الأمة إنما هي بضعفائها لا بمدافعة الأجسام فلذلك افتتح المصطفى المدينة بالقرآن ويفتح خاتمة هذه الأمة القسطنطينية بالتسبيح والتكبير. قال بعض العارفين: ومن حكمته تعالى أنه أمر بالعدة للعدو وأخذه بالقوة وأخبر أن النصر بعد ذلك يكون بالضعفاء ليعلم الخلق فيما أمروا به من الاستعداد وأخذ الحذر أن يرجعوا للحقيقة ويعلموا أن النصر من عند الله يلقيه على يد الأضعف، فالاستعداد [ص 83] للعادة والعلم بجهة النصر في الضعيف للتوحيد وأن الأمر كله لله عادة وحقيقة يدبره كيف شاء. قال الطيبي: وفيه نهي عن مخالطة الأغنياء وتحذير من التكبر على الفقراء والمحافظة على جبر خواطرهم، ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرن أحدا لخلقان ثيابه فإن ربك وربه واحد. وقال ابن معاذ: حبك الفقراء من أخلاق المرسلين وإيثارك مجالستهم من علامات الصالحين وفرارك منهم من علامات المنافقين. وفي بعض الكتب الإلهية أوحى الله إلى بعض أنبيائه احذر أن أمقتك فتسقط من عيني فأصب عليك الدنيا صباً، قالوا: خرج موسى يستسقي لبني إسرائيل في سبعين ألفاً بعد أن أقحطوا سبع سنين فأوحى الله إليه كيف أستجيب لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم سرائرهم ارجع إلى عبد من عبادي يقال له برخ وقل له يخرج حتى أستجيب له فسأل عنه موسى فلم يعرفه فبينا هو ذات يوم يمشي إذا بعبد أسود يمشي بين عينيه أثر السجود في شملة عقدها على عنقه فعرفه بنور الله فسلم عليه، وقال: إنك طلبتنا منذ حين استسق لنا فخرج فقال في كلامه: ما هذا فعالك وما هذا من حلمك وما الذي بدا لك أنقصت غيوثك أم عاندت الرياح طاعتك أم نفد ما عندك أم اشتد غضبك على المذنبين ألست كنت غفاراً قبل خلق الخاطئين خلقت الرحمة وأمرت بالعطف ترينا أنك ممتنع أو تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة فما برح حتى أخصبت بنو إسرائيل بالقطر وأنبت الله العشب في نصف يوم، قال حجة الإسلام فهذا عبد غلب عليه الأنس فلم ينغصه خوف التغير والحجاب فأثمر نوعا من الانبساط وذلك محتمل في مقام الأنس ومن لم يكن في مقامه وتشبه به هلك فالله الله في نفسك . <تنبيه> هذا الحديث وما على منواله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" قد وقع التعارض ظاهراً بينه وبين خبر مسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" وعند التأمل لا تدافع إذ المراد بمدح القوة القوة في ذات الله وشدة العزيمة وبمدح الضعف لين الجانب ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار أو المراد بذم القوة التجبر والاستكبار وبذم الضعف ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار على أنه لم يقل هنا أنهم ينصرون بقوة الضعفاء وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم أو نحو ذلك مما مر - (حم م حب ك) كلهم في الجهاد وكذا ابن حبان والطبراني والبيهقي (عن) حكيم هذه الأمة بنص المصطفى (أبي الدرداء) بفتح المهملتين وسكون الراء واسمه عويمر مصغر عامر بن مالك أو ابن عامر أو ابن ثعلبة أو غير ذلك قال الترمذي والحاكم صحيح وأقره الذهبي. وفي الرياض، إسناده جيد. 59 - (أبلغوا) أوصلوا. قال القاضي البلوغ الوصول إلى الشيء ويقال للدنو منه على الاتساع ومنه قوله تعالى - (طب) وكذا أبو الشيخ [ابن حبان] (عن أبي الدرداء) وفيه إدريس بن يوسف الحراني. قال في اللسان عن ذيل الميزان: لا يعرف حاله. ثم إن المؤلف تبع في عزوه للطبراني الديلمي. قال السخاوي: وهو وهم، والذي فيه عنه بلفظ "رفعه الله في الدرجات العلى في الجنة" وأما لفظ الترجمة فرواه البيهقي في الدلائل عن علي وفيه من لم يسم انتهى. فكان الصواب عزوه للبيهقي عن علي. 60 - (ابنوا المساجد) ندباً (واتخذوها) أي اجعلوها، قال الحراني من الاتخاذ افتعال مما منه المؤاخذة كأنه الوخذ وهو تصير في المعنى نحو الأخذ في الحس (جما) بضم الجيم وشد الميم أي اجعلوها ندباً بلا شرف جمع أجم وهو ثور أو كبش بلا قرن فأطلق القرون على الشرف مجازاً. قال الزمخشري: من المجاز حصن أجم لا شرف له وقرية جماء وابنوا المساجد جما فيكره اتخاذ الشرف لأنه من الزينة المنهي عنها ومن المحدث: قال المقريزي في تذكرته: مات عثمان والمسجد بلا شرافات وأول من أحدثها عمر بن عبد العزيز. قال الشافعية: وتكره الصلاة في مسجد بشرف لما في سنن البيهقي عن ابن عمر نهانا أو نهينا أن نصلي في مسجد مشرف، وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى لما فيه من شغل قلب المصلي، ويحرم نقشه واتخاذ شرافات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه - (ش هق) من حديث زهدم عن ليث بن أبي سليم عن أيوب (عن أنس) بن مالك رمز المؤلف لحسنه هنا وصرح به في أصله فقال حسن وليس كما ذكر فقد جزم الذهبي وغيره بأن فيه ضعفاً وانقطاعاً فإنه لما ساقه البيهقي من سنن أبي داود بسنده استدرك عليه فقال قلت هذا منقطع وتقدمه لذلك ابن القطان فقال ليث ضعيف وفيه انقطاع وأطال في بيانه وأقره مغلطاي. 61 - (ابنوا مساجدكم) أيها المسلمون (جما) أي مجممة بلا شرف ولا يستقيم جعل المعنى غير مرتفعة نظراً إلى أن المشرف يطلق أيضاً على المطول لأنه إن أريد بالطول الامتداد في الجهات الأربع فلا يقول به عاقل لأنه يرجع إلى السعة وتوسيع المسجد مطلوب لا ينهى عنه وإن أريد الارتفاع فهو مأذون فيه بنص الخبر الآتي "ارفع البنيان إلى السماء وسل الله السعة" وأما ما قارنه قصد مباهاة فلا فرق في منعه بين طويل وقصير (وابنوا مدائنكم) بالهمز وتركه قال الكرماني والهمز أفصح جمع مدينة من مدن أقام وهي المصر الجامع وقيل مفعلة من مدنت أي ملكت، قال الجوهري سألت أبا علي الفسوى عن همز مدائن فقال من جعله فعيلة همز ومن جعله مفعلة لم يهمز (مشرفة) كمعظمة أي اجعلوها لمساكنها شرافات أو اجعلوا لسورها ذلك أو اجعلوها مرتفعة ارتفاعاً حسناً مقتصداً محكماً تحصينا لها من العدو وذلك لأن الزينة إنما تليق بالمدن دون المساجد التي هي بيوت الله - (ش عن ابن عباس) رمز لحسنه. 62 - (ابنوا المساجد) التي هي بيوت الله، قال الراغب: المسجد الموضع المعد للصلاة. وقال غيره: لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق منه اسم المكان فقيل مسجد ولم يقل مركع ثم إن العرف خصه بالمكان المهيأ للصلوات الخمس فخرج نحو مصلي العيد ومدرسة ورباط فلا يعطى حكمه لاعدادها لغير ذلك (وأخرجوا القمامة منها) بضم القاف الكناسة. قال الزمخشري تقول بيت مقموم وقممته بالمقمة أي المكنسة وينادى بمكة على المكانس المقام (فمن بنى لله تعالى) أي لأجله ابتغاء لوجهه (بيتاً) مكاناً يصلى فيه وتقييد البعض بالجماعة غير معتبر (بنى الله له بيتاً في الجنة) سعته كسعة المسجد عشر مرات فأكثر كما يفيده التنكير الدال على التعظيم:
|